تعد الإيجابية والحالة المزاجية السعيدة واحدة من أكثر الصفات التي يحتاج إليها المرء في حياته اليومية، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من العلاج من أمراض عدة، والنجاح العملي والأسري،
بينما تحول الضحك إلى طريقة مبتكرة للعلاج من الاكتئاب في عالم يرزح تحت أخبار الحروب، والأوبئة المتنوعة، والبيئة المحتضرة،
إلا أن السعادة قد لا تكون دائما أمرا جيدا، أو على الأقل هذا ما توصلت إليه دراسات استرالية حديثة، كشفت أن القليل من الحزن قد يكون جيدا للأفراد، وأن فكرة البحث عن السعادة الدائمة ليست سوى أمر محبط.
وبينت الدراسة التي أجريت في جامعة «نيو ساوث ويلز» أن الأفراد الذين يشعرون بالسلبية والحزن قد يكونون أكثر انتباهاً وحذراً لما يحيط بهم، إذ يكونون أقل بساطة واندفاعا، مقارنة بالسعداء، كما كشفت أن الأفراد الذين يشعرون بالحزن يكونون أكثر تأثيراً وإقناعاً في النقاشات والمناظرات من أولئك الذين يحملون نظرة وفكراً إيجابيين.
وقال رئيس الدراسة البروفيسور جو فورغاس ان «الأفراد الذين يعيشون في مزاج سلبي يتمتعون بذاكرة أفضل، ويكونون أفضل في التعرف وكشف الخداع، كما تقل نسبة وقوعهم في الأحكام الخاطئة». وأضاف أن «الأشخاص السلبيين أو الذين يشعرون بالحزن يكونون أكثر نجاحا في إيصال أفكارهم للآخرين والتعبير عنها، ممن هم بمزاج جيد، كما أنه أقل ميلاً لتصديق الأساطير والأفكار غير المنطقية، والشائعات، وأقل ميلاً لاتخاذ قرارات أو انفعالات حول أشخاص بناء على مظهرهم الخارجي».
تفسير
يفسر فورغاس أسباب التمتع بالقدرة على الحكم الجيد عند الشعور بالحزن أو السلبية، بأنه «مع تطور البشر، بدأ استخدام الأمزجة كنوع من الإشارات غير الواعية لإخبار الآخرين بالطريقة الأفضل والأكثر مناسبة لتطوير المعلومات والتواصل، فإشارة تبين أن المزاج جيد، وأن المرء سعيد، كانت تعين أن كل الأمور والأوضاع جيدة، وأن الأوضاع مألوفة، وليست هناك من مشكلات، بينما يعتبر المزاج السيئ، إشارة إلى أهمية أن يكون المرء حذرا ويقظا»، ما يعني أن النتيجة السلبية كانت تروج لحالة ذهنية ونفسية أكثر تركيزا وفاعلية في تطوير المعلومات والتعامل معها.
وبينت دراسة بريطانية أخرى أن الأفراد يمكنهم أن يكونوا لاشعورياً واعين؛ لأن المشاعر السلبية تعينهم على التعامل مع التحديات المختلفة والأحداث الطارئة بشكل أكثر سهولة، حيث تضعف الحالة المزاجية الإيجابية بشكل متعمد، عندما يخرج المرء من دائرة الأمان المعتاد عليها، خلال لقاء عمل، أو التحدث مع شخص غريب، فيقوم بقراءة خبر محزن، أو تذكر حادثة مثيرة للمشاعر الحزينة، وذلك بناء على الدراسة التي نشرت في الدورية البريطانية «المعرفة والمشاعر».
إيجابيات
على الرغم من أن دراسة البروفيسور فورغاس تظهر إيجابيات اعتماد الموقف والحالة المزاجية الجيدة والسعيدة، والتي تظهر أهميتها في صفات مثل الإبداع، والمرونة، والتعاون، إلا أن فورغاس يبين أنه من المهم معرفة أنه سواء كانت الحالة الفكرية إيجابية أو سلبية، يمكن أن تكون مفيدة للمرء، خصوصاً في عالم تضخ فيه الحملات الإعلانية والإعلامية المختلفة التي تحتاج إلى التحليل الحكيم والواعي، خصوصاً مع الحث العام من مختلف الجهات، بأن الحالة العقلية المثالية التي يجب أن يصل إليها المرء هي السعادة الدائمة، مذكراً بأن هذا ليس هو الواقع.
ويرى فورغاس أن «هذه الدراسة تبين أن كل أنواع الحالات المزاجية، حتى السلبية منها، يمكن أن تكون مفيدة للمرء، وأن التأثيرات الثقافية القوية التي يرزح تحتها الأفراد في مختلف المجتمعات في السعي الحثيث إلى السعادة طوال الوقت، هي أمر مضلل ويمكن أن يكون مضراً أيضاً»، مشيراً إلى أن مثل هذه الأفكار تبعث رسائل مضللة بأن المشاعر السلبية هي دائما غير مرغوبة أو غير مفيدة، و«هو أمر غير الحقيقي، حيث تطورت البشرية في مواجهة جميع أنواع المشاعر والعواطف، وأنه يجب علينا أن نقبل هذه السلبية الوقتية، كجزء من الوجود الطبيعي للبشر، وجزء من الحالة الطبيعية، فمع الترويج لأن السعادة الدائمة والمستمرة ليست أمراً مستحيلاً، وبأنها حاجة دائمة، فإن الأفراد يشعرون بالمزيد من الإحباط والسوء لعدم تحقق ذلك»
تقبل الحالة
تؤيد عالمة النفس لين أفرينغهام، فورغاس، وتقول «من المهم معرفة أنه من الطبيعي جدا الشعور بالحالة المزاجية السلبية، فالحياة ترمي على الأفراد تحديات مختلفة، ولن يكون من الطبيعي ألا يشعر المرء بالحزن والإحباط بعد مروره بيوم سيئ، أو في حال عدم نجاحه في أمر ما»، موضحة أن الشعور بالحزن لا يعني أن المرء غير قادر على التعامل والتفاعل مع الحالة، على العكس، فإن تقبل الحزن لفترة قصيرة من الوقت والتعايش فيه، يمكن أن يكون أمرا إيجابيا، فهو يساعد المرء على التفكير والوصول إلى نتائج وقرارات حول ما يزعجه، ما يعني في نهاية المطاف متابعة الحياة والشعور بالإيجابية من جديد.
في الوقت ذاته، يوضح فورغاس أن المرء لا يمكنه إجبار نفسه على الشعور بالسلبية أو الحزن فقط بهدف التمكن من التحول إلى شخص أكثر قدرة على التحليل والتقييم أو التمتع بذاكرة جيدة، في تأثير المزاج السلبي، فهو أمر أوتوماتيكي ولا شعوري، الأمر الذي يعارض الدراسة البريطانية السابقة نوعاً ما، مبيناً أن الأفراد غالبا ما يكونون غير واعين بنتائج وتأثيرات حالتهم المزاجية، وأن التلاعب بها بشكل متعمد، بالحالة المزاجية بهدف الشعور بالحزن فقط لمجرد تحسين الذاكرة، أو مساعدة الذات لأن تكون أكثر يقظة وحذراً، لن يكون أمراً ناجحاً في غالبية الأوقات.
ويشدد فورغاس على أهمية أن تبقى مشاعر الحزن في الحدود القابلة للتحكم، فمن المهم معرفة أن مفتاح الاستفادة من المشاعر السلبية التي يمر بها المرء، هو من خلال التأكد من أن هذه الحالة لم تخرج من الحدود الآمنة لصحة العقل، فالفائدة التي تعود على المرء من حالته المزاجية السلبية تظهر فقط عنـــدما تكون مؤقتة وخاضعة لوقت زمني قصير، لافتاً إلى أنه مع تحول الحزن إلى مشاعر طويلة المدى وأكثر شـــدة، فإن فوائده تختفي، فتحمل الحزن الشديد وحالات الاكـــتئاب يمكن أن يكون لها تأثيرات منهـــكة في النفس.
اذا اعجبك الموضوع فقم بتسجيل اعجابك بصفحتنا على الفيس بوك ليصلك جديد المعلومات عبر الرابط https://www.facebook.com/maloomabook
و لمشاركه الموضوع على صفحتك الاجتماعيه
.
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق
ما يتم إدراجه في التعليقات يعبر عن وجهة نظر كاتبه