سنتحدث في هذا المقال عن التغريب ومؤسس هذا الفكر منذ تاريخ إنشائه ومن هم أبرز الشخصيات وماهي افكارهم ومعتقداتهم التي يؤمنون بها وماهي أهدافهم التي يسعون للوصول اليها وماهي أساليبهم المستخدمة في ذلك ، وكذلك أهم آراء دعاة التغريب ، وماهي الاماكن والبلدان التي انتشر فيها هذا الفكر ، وغيرها من المعلومات الشاملة عن هذا التيار الفكري .
أولاً
ماهو التغريب ؟
يمكننا تعريف التغريب بأنه تيار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية.
ثانياً
ماهي أسباب قيام حركة التغريب في البلدان الإسلامية؟
لقيام التغريب في البلاد الإسلامية أسباب كثيرة من أهمها:
- 1ـ انخداع بعض المسلمين وتأثرهم بالمنصرين والمستشرقين.
- 2ـ استعانة بعض المسؤولين والمؤسسات من المسلمين بعلماء غربيين في شتى المجالات وبعضهم في مجال التوجيه والمسؤولية وهذا بخلاف هدي المسلمين فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أحد عماله حين طلب إليه أن يستعين بنصراني ماهر فكتب إليه "هبه مات".
- 3ـ عدم مراقبة تحركات النصارى في بعض البلدان الإسلامية وإطلاق الحبل على الغارب لهم يقيمون احتفالاتهم وأعيادهم ودعاياتهم ودعواتهم بل ويحضرها بعض المسؤولين المسلمين لمباركتها بحجة التلاحم الشعبي والتسامح الديني.
- 4ـ ابتعاث بعض الدارسين إلى الغرب ليتعلموا شتى العلوم ومن الغريب – حسب ما يقال – أن بعضهم يذهب لدراسة بعض العلوم الإسلامية واللغوية والتاريخية.
- 5ـ قيام بعض المسؤولين من المسلمين بإلزام جيوشهم وخدمهم بلباس الغرب افتخارا به خصوصا في المجالات الرسمية.
- 6ـ إنشاء مكاتب ومدارس وجمعيات تدعو إلى التغريب.
- 7ـ ترجمة الكثير من الكتب الغربية إعجابا بأشخاصها وتوزيعها في كل بلد للكبار والصغار.
- 8ـ وقوف النصارى في كل بلد إلى جانب الغرب وإظهار إعجابهم بهم وتحبيبهم إلى نفوس الناس وهم بمثابة العيون للغرب.
- 9ـ قيام بعض عملاء الغرب بإصدار مجلات ودعايات وتمثيليات وأشرطة تسجيل وقصص للكبار والصغار تدعو إلى الإعجاب بالحضارة الغربية وتحقير الحضارة الإسلامية والتقليل من أهميتها.
- 10ـ إثارة بعض القضايا ومهاجمة الإسلام من خلالها كقضية جواز الزواج بأكثر من واحدة وحق الطلاق للرجل والحجاب ومنع الاختلاط وحقوق المرأة.... وغير ذلك وتضخيمها والرد على الإسلام من خلالها بتلفيق الأكاذيب والشبهات الباطلة حولها.
ثالثا:
من هو مؤسس تيار التغريب ؟ ومتى تم تأسيسه ؟ ومن هم أبرز الشخصيات ؟
التأسيس وأبرز الشخصيات
بدأ المشرقيون في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر بتحديث جيوشهم وتعزيزها عن طريق إرسال بعثات إلى البلاد الأوربية أو باستقدام الخبراء الغربيين للتدريس والتخطيط للنهضة الحديثة، وذلك لمواجهة تطلع الغربيين إلى بسط نفوذهم الاستعماري إثر بدء عهد النهضة الأوربية.
لما قضى السلطان محمود الثاني على الانكشارية العثمانية سنة 1826م أمر باتخاذ الزي الأوربي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء.
استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية.
قام محمد علي والي مصر، والذي تولى سنة 1805م، ببناء جيش على النظام الأوربي، كما عمد إلى ابتعاث خريجي الأزهر من أجل التخصص في أوربا.
أنشأ أحمد باشا باي الأول في تونس جيشا نظاميا، وافتتح مدرسة للعلوم الحربية فيها ضباط وأساتذة فرنسيون وإيطاليون وإنجليز.
افتتحت أسرة الفاجار التي حكمت إيران كلية للعلوم والفنون على أساس غربي سنة 1852م.
منذ عام 1860م بدأت حركة التغريب عملها في لبنان عن طريق الإرساليات، ومنها امتدت إلى مصر في ظل الخديوي إسماعيل الذي كان هدفه أن يجعل مصر قطعة من أوربا.
التقى الخديوي إسماعيل في باريس مع السلطان العثماني عبد العزيز 1284 هـ/1867م حينما لبيا دعوة الإمبراطور نابليون الثالث لحضور المعرض الفرنسي العام، وقد كانا يسيران في تيار الحضارة الغربية.
ابتعث كل من رفاعة الطهطاوي إلى باريس وأقام فيها خمس سنوات 1826/1831م وكذلك ابتعث خير الدين التونسي إليها وأقام فيها أربع سنوات 1852 – 1856م وقد عاد كل منهما محملا بأفكار تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس علماني عقلاني.
منذ 1830م بدأ المبتعثون العائدون من أوروبا بترجمة كتب فولتير وروسو ومونتسكيوفي محاولة منهم لنشر الفكر الأوربي الذي ثار ضد الدين الذي ظهر في القرن الثامن.
أنشأ كرومر كلية فيكتوريا بالإسكندرية لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا أداة المستقبل في نقل ونشر الحضارة الغربية.
قال اللورد لويد (المندوب السامي البريطاني في مصر ) حينما افتتح هذه الكلية سنة 1936م : كل هؤلاء لن يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ.
كان نصارى الشام من أول من اتصل بالبعثات التبشيرية وبالإرساليات ومن المسارعين بتلقي الثقافة الفرنسية والإنجليزية، كما كانوا يشجعون العلمانية التحررية وذلك لعدم إحساسهم بالولاء تجاه الدولة العثمانية فبالغوا في إظهار إعجابهم بالغرب ودعوا إلى الاقتداء به وتتبع طريقه، وقد ظهر ذلك جليا في الصحف التي أسسوها وعملوا فيها.
كان ناصيف اليازجي 1800 – 1871 م وابنه إبراهيم اليازجي 1847 – 1906 م على صلة وثيقة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية.
أسس بطرس البستاني 1819 – 1883 م في عام 1863م مدرسة لتدريس اللغة العربية والعلوم الحديثة فكان بذلك أول نصراني يدعو إلى العروبة والوطنية إذ كان شعاره : "حب الوطن من الإيمان". كما أصدر صحيفة الجنان سنة 1870م التي استمرت ست عشرة سنة وقد تولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت مشاركا في الترجمة البروتستانتية للتوراة مع الأمريكيين سميث وفانديك.
أنشأ جورجي زيدان 1861 – 1914م مجلة الهلال في مصر سنة 1892م، وقد كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، كما كانت له سلسلة من القصص التاريخية التي حشاها بالافتراءات على الإسلام والمسلمين.
أسس سليم تقلا صحيفة الأهرام في مصر وقد سبق له أن تلقى علومه في مدرسة عبية بلبنان والتي أنشأها المبشر الأمريكي فانديك.
أصدر سليم النقاش صحيفة المقتطف التي عاشت ثمانية أعوام في لبنان انتقلت بعدها إلى مصر سنة 1884م.
تجول جمال الدين الأفغاني 1838-1897م كثيرا في العالم الإسلامي شرقا وغربا وقد أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث إلى مصر، كما يقال بأنه انضم إلى المحافل الماسونية، وكان على صلة بالمستر بلنت البريطاني.
كان الشيخ محمد عبده 1849 – 1905م من أبرز تلاميذ الأفغاني، وشريكه في إنشاء مجلة العروة الوثقى، وكانت له صداقة مع اللورد كرومر والمستر بلنت، ولقد كانت مدرسته ومنها رشيد رضا تدعو إلى مهاجمة التقاليد، كما ظهرت لهم فتاوى تعتمد على أقصى ما تسمح به النصوص من تأويل بغية إظهار الإسلام بمظهر المتقبل لحضارة الغرب كما دعا الشيخ محمد عبده إلى إدخال العلوم العصرية إلى الأزهر لتطويره وتحديثه.
كان المستشرق مستربلنت : يطوف هو وزوجته مرتديا الزي العربي، داعيا إلى القومية العربية وإلى إنشاء خلافة عربية بغية تحطيم الرابطة الإسلامية.
قاد قاسم أمين 1865 – 1908م وهو تلميذ محمد عبده، الدعوة إلى تحرير المرأة وتمكينها من العمل في الوظائف والأعمال العامة. وقد كتب تحرير المرأة 1899م والمرأة الجديدة 1900م.
كان سعد زغلول : الذي صار وزيرا للمعارف سنة 1906م شديد التأثر بآراء محمد عبده وقد نفذ فكرة كرومر القديمة والداعية إلى إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بقصد تطوير الفكر الإسلامي من خلال مؤسسة غير أزهرية منافسة له.
كان أحمد لطفي السيد 1872 – 1963م من أكبر مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين الذين انشقوا عن سعد زغلول سياسيا، وكان يدعو إلى الإقليمية الضيقة وهو صاحب العبارة المشهورة التي أطلقها عام 1907م وهي : "مصر للمصريين" وقد تولى شؤون الجامعة المصرية منذ تسلمتها الحكومة المصرية عام 1916م وحتى 1941م تقريبا.
وكان طه حسين 1889 – 1973م من أبرز دعاة التغريب في العالم الإسلامي حيث تلقى علومه على يد المستشرق كايم دور وقد نشر أخطر آرائه في كتابيه الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر.
يقول في كتابه الشعر الجاهلي ص26 : للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي.
ويقول بعد ذلك : وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح. كما أنه ينفي فيه نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أشراف قريش.
لقد بدأ طه حسين محاضرة له في اللغة والأدب بحمد الله والصلاة على نبيه ثم قال : سيضحك مني بعض الحاضرين إذا سمعني أبدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة على نبيه لأن ذلك يخالف عادة العصر.
ازدهرت حركة التغريب بعد سيطرة الاتحاديين عام 1908م على الحكم في الدولة العثمانية وسقوط السلطان عبدالحميد.
وفي سنة 1924م ألغت حكومة مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية مما مهد لانضمام تركيا إلى الركب العلماني الحديث، وفرض عليها التغريب بأقصى صوره وأعنفها.
علي عبدالرزاق : نشر سنة 1925م كتابه الإسلام وأصول الحكم الذي ترجم إلى الإنجليزية والأردية، يحاول فيه المؤلف أن يقنع القارئ بأن الإسلام دين فقط وليس دينا ودولة، وقد ضرب سميث مثلا به عندما أشار إلى أن التحررية العلمانية والعالمية لا تروج في العالم الإسلامي إلا إذا فسرت تفسيرا إسلاميا مقبولا، وقد حوكم الكتاب والمؤلف من قبل هيئة العلماء بالأزهر في 12/08/1925م وصدرت ضده إدانة أخرجته من زمرة العلماء،و كان يشرف على مجلة الرابطة الشرقية كما أقام حفل تكريم لأرنست رينان في الجامعة المصرية بمناسبة مرور مائة سنة على وفاة هذا المستشرق الذي لم يدخر وسعا في مهاجمة العرب والمسلمين.
وكان محمود عزمي من أكبر دعاة الفرعونية في مصر، درس على أستاذه دور كايم الذي كان يقول له : إذا ذكرت الاقتصاد فلا تذكر الشريعة، وإذا ذكرت الشريعة فلا تذكر الاقتصاد.
وسبق أن قدم منصور فهمي 1886 – 1959م : أول أطروحة للدكتوراه على أستاذه ليفي بريل مهاجما نظام الزواج في الإسلام التي موضوعها حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها، وفي هذه الرسالة يقول : محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه، ويقول : إلا أنه أعفى نفسه من المهر والشهود، لكنه انتقد بعد ذلك حركة التغريب في سنة 1915م وجاهر بآرائه في الأخطاء التي حملها طه حسين ومدرسته.
ويعتبر إسماعيل مظهر من أئمة مدرسة التغريب لكنه لم يلبث أن تحول عنها إبان عصر النهضة الحديثة.
وكان زكي مبارك في مقدمة تلاميذ طه حسين، درس على أيدي المستشرقين وسبق له أن قدم أطروحة للدكتوراه في الغزالي والمأمون مهاجما الغزالي هجوما عنيفا لكنه رجع عن ذلك فيما بعد وكتب مقاله المعروف إليك أعتذر أيها الغزالي.
ويعتبر محمد حسين هيكل 1888 – 1956م رئيس تحرير جريدة السياسة في الفترة الأولى من حياته من أبرز المستغربين وقد أنكر الإسراء بالروح والجسد معا انطلاقا من نظرة عقلانية في كتابه حياة محمد، لكنه عدل عن ذلك وكتب معبرا عن توجهه الجديد في مقدمة كتابه في منزل الوحي.
وكان الشيخ أمي الخولي وهو من مدرسي مادتي التفسير والبلاغة بالجامعة المصرية، يروج لأفكار طه حسين في الدعوة إلى دراسة القرآن دراسة فنية بغض النظر عن مكانته الدينية، وقد استمر في ذلك حتى كشفه الشيخ محمود شلتوت سنة 1947م.
وقاد شبلي شميل 1860 – 1917م الدعوة إلى العلمانية ومهاجمة قيم الأديان والأخلاق.
رابعاً
ماهي تيارات التغريب ؟
تيارات التغريب
ذكر الشيخ محمد حامد الناصر أن مجمل تيارات التغريب تكمن في ثلاثة:
- 1ـ تيارات مدرسة الاستعمار وهو من أدوات المستعمر لتنفيذ سياسته في إدارة شؤون البلاد ومن هؤلاء "سعد زغلول" و" أحمد لطفي السيد" .
- 2ـ التيار الثاني تطوير الإسلام وأهل هذا التيار ينصب اهتمامهم في زعمهم تطوير الدين وإعادة تفسيره وفق الحضارة الغربية ومن هؤلاء "رفاعة الطهطاوي" و"خير الدين التونسي" ثم أصبحت على يد "محمد عبده" ومدرسته.
- 3ـ التيار الثالث: ويمثله نصارى العرب وجهوا جل اهتمامهم إلى تأسيس الصحف اليومية كصحيفة الأهرام والمقطم وتحملان الأنباء العالمية والمذاهب السياسية وبعضها كان يحمل طابعا أدبيا علميا مثل صحيفة المقتطف، وصحيفة الهلال.
وقد ذكرت شخصيات كثيرة تنادي بهذا التغريب مثل " أديب إسحاق" و "سليم نقاش" و"بطرس البستاني" وهم من أنشط العرب في نقل الحضارة الغربية"
خامسا:
ماهي أهداف دعاة التغريب وماهي الأساليب التي يتبعونها؟
أهداف دعاة التغريب وأساليبهم
أهدافهم تتمثل في رغبتهم الشديدة في أن يحولوا العالم الإسلامي إلى مقلدين للغرب في كل شيء وأن يكونوا تبعا لهم , وأما أساليبهم فهي كثيرة ومتنوعة ومن أهمها:
- 1ـ إحياء ما يسمونه بالحضارات القديمة في العالم الإسلامي ومنها النفاذ إلى قيام الحضارات الغربية المتمثلة في الاستخفاف بالقديم في النهاية ونبذه وقد استعد "روكفلر" اليهودي المتعصب بمبلغ عشرة ملايين دولار تبرعا لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد أيضا وقد فعل الكثير منهم ذلك والغرض من هذا هو النفاذ إلى تفريق كلمة المسلمين وبتبديدهم من خلال إرجاع كل قطر إلى جاهليته القديمة قبل الإسلام والالتفاف حولها.
- 2ـ التركيز على المناداة بالقضاء على التفرقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي حتى تبقى للمسلم شخصية متميزة ويسمون ذلك تطورا في الفكر والثقافة على غرار عصر التنوير عند الأوربيين.
- 3ـ إحياء الدعوة إلى تقديس الوطنية والقومية وغيرها من النعرات الجاهلية والاعتزاز بها لتكون بديلا عن الاعتزاز بالدين وقيمه والإشادة بما حققته الوطنية الغربية وإظهار الإعجاب بها وذلك لضمان عدم عودة المسلمين إلى الألفة العامة بينهم وعدم اتحادهم في كتلة واحدة ليسهل على الغرب وأتباعهم التأثير على كل قطر بمفرده.
- 4ـ الدعوة إلى الالتفاف حول ما يسمونه الإنسانية لكي يجتمع الجميع تحتها فتزول الفوارق والخلافات الدينية فيحل السلام وتصبح الأرض وطنا للجميع – بزعمهم – وهي دعوة يهودية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأنها في حقيقتها سراب.
سادسا:
ماهي آراء دعاة التغريب ؟
أهم آراء دعاة التغريب
1. موقفهم من القرآن الكريم
ردد بعض دعاة التغريب ما قرره أعداء الإسلام من المنصرين والمستشرقين من شبهات باطلة حول كلام الله عز وجل – القرآن الكريم – وما كان أجدر بهم أن ينأوا بأنفسهم عن ضلالات الحاقدين على الإسلام والمسلمين ما داموا يشهدون الشهادتين ولكن تلمذتهم على أولئك هي التي أنتجت هذا الخلط الشنيع في مفاهيمهم من أن القرآن الكريم صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه سجع على طريقة السجع الذي كان معروفا في الجاهلية – بزعمهم – وغير ذلك من أقوالهم ولا ريب أن من اعتقد هذا يكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه وارتد عن الشريعة السمحاء واختار طريق الضلال.
ولعل القارئ لا ينسى من لقّبه الغرب بعميد الأدب العربي "طه حسين" مكافأة له على تهجمه على القرآن الكريم والسنة النبوية ومحاباته لليهود الذي كان يقول "تفكيري فرنسي وكتابتي بالعربية".
وقد كان طه حسين عميلا وفيا للغرب محاربا لله ولرسوله ولدين الإسلام مفضلا الغرب وحضارته على الإسلام ونوره فهو مرة يهاجم اللغة العربية ويفضل عليها اللاتينية واليونانية ومرة يدعو إلى التجديد وهو السير سير الأوربيين في كل شيء ومرة يهاجم الفتح الإسلامي ويعتبره غزوا واحتلالا لمصر التي لم تسترد حريتها إلا حين رجعت إلى حضارتها الفرعونية – بزعمه – وقد سماه الرافعي " المبشر طه حسين" و " المستر طه حسين" بدلا عن لقبه الأوربي "عميد الأدب العربي"
ومما يذكر أن طه حسين لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة في كتابه " في الشعر الجاهلي" وكرر في كتبه أن القرآن الكريم من الأساطير.
وأما كتابه" في الشعر الجاهلي" فقد كان حاداً جاداً في السخرية بالقرآن الكريم والإشادة بالإلحاد الغربي والزندقة وقد حاكمه مجلس البرلمان في مصر وصدر الحكم بتكفيره وإتلاف كتابه وفصله من الجامعة ولكن القوى التي كانت تدفعه إلى هذا تدخلت لحمايته فأُعيد إلى عمله ورُفع ليكون مديراً للجامعة ثم وزيرا للمعارف ليكمل مهمته من مظلة السلطة.
وكانت لطه حسين صلات حميمة بكثير من مشاهير أعداء الإسلام مثل " كازانوفا" و"مرجليوث" و"ماسينون" و"بلاشير" وغيرهم من أصدقائه الذين يفتخر بصداقتهم وقد استورد كثيرا من المستشرقين والمنصرين الحاقدين استوردهم للتدريس بالجامعة – بحكم وظيفته – وقرب اليهود والنصارى واتخذهم بطانة له.
2. موقفهم من السنة النبوية
وإذا كان دعاة التغريب قد جرؤا على محاربة كتاب الله عز وجل وانتقدوه وشككوا فيه إتباعا لمشايخهم من المنصرين والمستشرقين، فما الظن بهم بالنسبة للسنة الشريفة على صاحبها أزكى الصلاة والسلام تلك السنة الغراء التي أقلقت أعداء الإسلام وضاقوا بها ذرعا وخططوا الخطط المتلاحقة والمؤتمرات المتتابعة للتشاور في أمرها وكيفية القضاء عليها ومع تلك المحاولات المستميتة إلا أن السنة النبوية ظلت على صفائها ونقائها ولمعان نورها الذي يكاد يخطف أبصار الذين كفروا.
وقد ذكر الشيخ " محمد حامد الناصر" في كتابه (العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب) من (ص133: 137).بعض دعاة التغريب وذكر منهم من اشتهر أمره بالانحياز للغرب والحضارة الغربية مثل " أحمد أمين" و"محمود أبو رية" و "محمد توفيق صدقي" وإسماعيل أدهم" والشاعر" أحمد زكي أبو شادي" و" صالح أبو بكر"
لعل القارئ الكريم قد أدرك مما سبق إيراده أن المستشرقين لم يكونوا أمناء ولا أصحاب بحوث علمية مجردة عن التعصب – كما زعموا – بل إنهم غزاة العقول ومعاول الهدم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:18] .
وقد عرف المسلمون كثيرا من حيلهم وأساليبهم الماكرة وعرفوا منهجهم في كتابتهم عن الإسلام والمسلمين وأنها كانت تنفث حقدا وعصبية وأنهم جواسيس لشعوبهم الغربية ولدياناتهم المحرفة وأن ما تظاهروا به من ود وموضوعية ونزاهة فيما يكتبون إنما هو تغرير يقصد به ذر الرماد في العيون ولا أدل على هذا من أنهم لا يستدلون على ما يوردونه عن الإسلام والمسلمين إلا ما يوافق أهواءهم ولا من الأحاديث إلا الساقط منها المفترى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعارضون بها جادين الأحاديث الصحيحة بل والآيات الكريمة من كتاب الله تعالى ويجعلون ذلك من التناقض الموجود في الشريعة المحمدية – بزعمهم – مع أنهم يعرفون تماما أن ما يستدلون به لتشويه الإسلام هو واه كبيت العنكبوت ولكن لا حيلة لهم إلا ذلك.
فإذا وجدوا أدنى شبهة تشبثوا بها وضخموها وصدق بعضهم بعضا في إيرادها على التفسير الذي يرتضونه ولا ينظرون فيها نظرة الفاحص الطالب للحقيقة ولهذا تجد – أخي القارئ – تفسيرات باطلة ومحرفة لنصوص كثيرة سواء كانت في تفسير كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أوفي التاريخ الإسلامي أو الفقه أو غير ذلك ثم يقدمونه للناس على أنه بيان للإسلام وتعاليمه.
ولم يقف الأمر عند تفسير النصوص ولكن جاءوا بما هو أدهى من ذلك إذ أنهم يضعون القضية التي يريدون إلقاءها يصنعونها من تلقاء أنفسهم على أنها محسوبة على الإسلام والمسلمين ثم بعد ذلك يتصيدون لها الأدلة والشبهات والأقوال ويصولون ويجولون حولها حتى يقتنع من لا خبرة له بمكرهم أنهم على شيء وأنهم فطاحل بحث وتحقيق ونزاهة وأن ما قالوه عن الإسلام صحيح لا مرية فيه.
سابعاً
ماهي افكار ومعتقدات التغريب ؟
الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها متبعون تيار التغريب هي :
أفكار تغريبية:
المستشرق الإنجليزي (جب) ألف كتاب (إلى أين يتجه الإسلام) الذي يقول فيه : من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة وقد أعلن في بحثه هذا صراحة أن الهدف معرفة إلى أي مدى وصلت حركة تغريب الشرق وما هي العوامل التي تحول دون تحقيق هذا التغريب
عندما دخل اللورد اللنبي القدس عام 1918م أعلن قائلا : "الآن انتهت الحروب الصليبية".
يقول لورنس بروان : إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي. ولهذا فلابد من الدعوة إلى أن يطبع العالم الإسلامي بطابع الغرب الحضاري.
تشجيع فكرة إيجاد فكر إسلامي متطور يبرر الأنماط الغربية ومحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية بغية إيجاد علائق مستقرة بين الغرب وبين العالم الإسلامي خدمة لمصالحه.
الدعوة إلى الوطنية ودراسة التاريخ القديم والدعوة إلى الحرية باعتبارها أساس نهضة الأمة مع عرض النظم الاقتصادية الغربية عرضا مصحوبا بالإعجاب، وتكرار الكلام حول تعدد الزوجات في الإسلام وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين.
نشر فكرة العالمية والإنسانية التي يزعم أصحابها بأن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه الخلافات الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم، ولتصبح الأرض وطنا واحدا يدين بدين واحد ويتكلم بلغة واحدة وثقافة مشتركة بغية تذويب الفكر الإسلامي واحتوائه في بوتقة الأقوياء المسيطرين أصحاب النفوذ العالمي.
إن نشر الفكر القومي خطوة على طريق التغريب في القرن التاسع عشر وقد انتقل من أوربا إلى العرب والإيرانيين والترك والإندونيسيين والهنود، إلى كيانات جزئية تقوم على رابط جغرافي يجمع أناسا ينتمون إلى أصول عرقية مشتركة.
تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة، يقول المستشرق (جب) : وقد كان من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن.... وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دورا مهما في تقوية القوميات المحلية وتدعيم مقوماتها.
عرض روكفلر الصهيوني المتعصب تبرعه بعشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن.
أن كلا من الاستعمار والاستشراق والشيوعية والماسونية وفروعها والصهيونية ودعاة التوفيق بين الأديان "وحدة الأديان" قد تآزروا جميعا في دعم حركة التغريب وتأييدها بهدف تطويق العالم الإسلامي وتطويعه ليكون أداة لينة بأيديهم.
نشر المذاهب الهدامة كالفرويدية والداروينية والماركسية والقول بتطور الأخلاق (ليفي برويل) وبتطور المجتمع (دور كايم) والتركيز على الفكر الوجودي والعلماني والتحرري والدراسات عن التصوف الإسلامي والدعوة إلى القومية والإقليمية والوطنية والفصل بين الدين والمجتمع وحملة الانتقاص من الدين ومهاجمة القرآن والنبوة والوحي والتاريخ الإسلامي والتشكيك في القيم الإسلامية عن فكرة الجهاد وإشاعة فكرة أن سبب تأخر العرب والمسلمين إنما هو الإسلام.
اعتبار القرآن فيضا من العقل الباطن مع الإشادة بعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم وألمعيته وصفاء ذهنه ووصف ذلك بالإشراق الروحي تمهيدا لإزالة صفة النبوة عنه.
مؤتمرات تغريبية
- عقد مؤتمر في بلتيمور عام 1942م وهو يدعو إلى دراسة وابتعاث الحركات السرية في الإسلام.
في عام 1947م عقد في جامعة برنستون بأمريكا مؤتمر لدراسة (الشؤون الثقافية والاجتماعية في الشرق الأدنى ) وقد ترجمت بحوث هذا المؤتمر إلى العربية تحت رقم 116 من مشروع الألف كتاب في مصر، شارك فيه كويلر يونغ وحبيب كوراني وعبدالحق إديوار ولويس توماس.
عقد مؤتمر (الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة) في صيف عام 1953م في جامعة برنستون وشارك فيه كبار المفكرين من مثل ميل بروز، وهارولد سميث، وروفائيل باتاي، وهارولد ألن، وجون كرسويل، والشيخ مصطفى الزرقا، وكنت كراج، واشتياق حسين، وفضل الرحمن الهندي.
وفي عام 1955م عقد في لاهور بالباكستان مؤتمر ثالث لكنه فشل وظهرت خطتهم بمحاولتهم إشراك باحثين من المسلمين والمستشرقين في توجيه الدراسات الإسلامية.
انعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والمسيحية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م وتتالت بعد ذلك اللقاءات والمؤتمرات في روما وغيرها من البلدان لنفس الغرض.
في سبتمبر 1944م عقد بالقاهرة مؤتمر السكان والتنمية بهدف نشر أفكار التحلل الجنسي الغربية بين المسلمين من إتاحة للاتصالات غير المشروعة بين المراهقين والإجهاض والزواج الحر والسفاح والتدريب على موانع الحمل.. وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية فتوى بضرورة مقاطعته والحذر من توصياته وأهدافه.
ماهي كتب فكر التغريب ؟
كتب تغريبية خطرة
- (الإسلام في العصر الحديث) لمؤلفه ولفرد كانتول سميث، مدير معهد الدراسات الإسلامية وأستاذ الدين المقارن في جامعة ماكجيل بكندا، حصل على الدكتوراه من جامعة برنستون سنة 1978م تحت إشراف المستشرق هـ. أ. ر - جب الذي تتلمذ عليه في جامعة كمبريدج وهذا الكتاب يدعو إلى التحررية والعلمانية وإلى فصل الدين عن الدولة.
نشر هـ. أ. ر – جب كتابه (إلى أين يتجه الإسلام)، الذي نشر بلبنان سنة 1932م كان قد ألفه مع جماعة من المستشرقين وهو يبحث في أسباب تعثر عملية التغريب في العالم الإسلامي ووسائل تقدمها وتطورها.
إن بروتوكلات حكماء صهيون التي ظهرت في العالم كله عام 1902م ظلت ممنوعة من الدخول إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي حتى عام 1952م أي تقريبا إلى ما بعد قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية والإسلامية ولاشك بأن منعها كان خدمة لحركة التغريب عموما.
تصوير بعض الشخصيات الإسلامية في صور من الابتذال والعهر والمزاجية كما في كتب جورجي زيدان، وكذلك تلك الكتب التي تضيف الأساطير القديمة إلى التاريخ الإسلامي على هامش السيرة لطه حسين والكتب التي تعتمد على المصادر غير الموثوقة مثل (محمد رسول الحرية) للشرقاوي وكتبه عن الخلفاء الراشدين والأئمة التسعة.
ثامنا:
من أين أتت العقائد والافكار التي يؤمن بها التغريبيون ؟
الجذور الفكرية والعقائدية
لقد ارتدت الحملة الصليبية مهزومة بعد حطين، وفتح العثمانيون عاصمة الدولة البيزنطية ومقر كنيستهم عام 1453م واتخذوها عاصمة لهم وغيروا اسمها إلى اسلامبول أي دار الإسلام، كما أن جيوش العثمانيين قد وصلت أوربا وهددت فيينا سنة 1529م وقد ظل هذا التهديد قائما حتى سنة 1683م، وسبق ذلك كله سقوط الأندلس وجعلها مقرا للخلافة الأموية، كل ذلك كان مدعاة للتفكير بالتغريب، والتبشير فرع منه، ليكون السلاح الذي يحطم العالم الإسلامي من داخله.
أن التغريب هجمة نصرانية صهيونية استعمارية في آن واحد التفت على هدف مشترك بينها وهو طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي تمهيدا لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية.
تاسعا:
ماهي البلدان التي انتشر فيها التغريب وإلى أين وصل نفوذهم ؟
الانتشار ومواقع النفوذ
لقد استطاعت حركة التغريب أن تتغلغل في كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد وربطها بالغرب فكرا وسلوكا.
- لقد تعالت تأثير حركة التغريب إذ أنه قد ظهر بوضوح في مصر، وبلاد الشام وتركيا وإندونيسيا والمغرب العربي وتتدرج بعد ذلك في البلاد الإسلامية الأقل فالأقل ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من آثار وبصمات هذه الحركة.
الخلاصة:
يتضح مما سبق
أن التغريب تيار مشبوه يهدف إلى نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته ومن واجب قادة الفكر الإسلامي كشف مخططاته والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته التي تبثها الآن شخصيات مسلمة وصحافة ذات باع طويل في محاولات التغريب، وأجهزة وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية، وقد استطاع هذا التيار استقطاب كثير من المفكرين العرب، فمسخوا هويتهم وحاولوا قطع صلتهم بدينهم والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربي وهي أمور ذات خطر عظيم على الشباب المسلم.
0 التعليقات :
إرسال تعليق
ما يتم إدراجه في التعليقات يعبر عن وجهة نظر كاتبه